التيارات الإسلامية في العراق: حسابات الحقل... وحسابات البيدر
كاتب الموضوع
رسالة
Admin مدير
عدد الرسائل : 165 العمر : 33 الموقع : https://arabe4ever.1fr1.net المزاج : نشيط تاريخ التسجيل : 21/02/2008
موضوع: التيارات الإسلامية في العراق: حسابات الحقل... وحسابات البيدر الأحد أغسطس 03, 2008 5:21 am
التيارات الإسلامية في العراق: حسابات الحقل... وحسابات البيدر
01-8-2008
عبد الله مسلم المحمدي / بغداد
فما إن قدر الله للإسلاميين (سُنة وشيعة) الوصول إلى سدة الحكم، إذا بالأمور تتغير بشكل لافت، فشعارات الأمس أصبحت مثالية لا تلائم واقعنا، ويُتهم من يطالب بها بالعاطفية وعدم الواقعية، ومساوئ السابقين أمست اليوم ضرورات يحتمها الوضع على اللاحقين، فلا بُد من الأبناء والأقارب في المناصب الحساسة لضمان الولاءات، ولا بُد من جيوش الحمايات للحفاظ على القيادات، ولا بُد من مئات آلاف في الأجهزة الأمنية لصيانة المكاسب، ولا بُد من مئات المقابر الجماعية لردع الغاوين، ولا بُد ولا بُد ...
لا يخفى على أحد حجم التحديات والمخاطر التي تواجه جميع الحركات والتيارات الإسلامية في العراق في ظل الاحتلال الأميركي، فقد كانت اللاعب الأبرز والمؤثر الأكبر في حركة المعارضة العراقية في مرحلة ما قبل الاحتلال، وكانت تملك القاعدة الأوسع والتحرك الأكثر فعالية في الداخل العراقي، وهذا لم يكن وليد يومه ولا مجرد توفر ظروف مواتية، بل كان نتيجة عمل متواصل ودءوب منذ فترة الستينيات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا؛ عمل تجلى في تثقيف باتجاه معين، وتواصل ودعم متبادل مع الجماهير، حتى وصل في بعض الأحيان إلى المظاهر العلنية من الاحتجاجات والتي كانت تودي بأصحابها إلى غياهب السجن إن نجوا من مقصلة الإعدام، وهذا ما لا يمكن أن ينكره أحد على التيارات والحركات الإسلامية إلا أن يكون معانداً شديد العناد.
ولكن يبدو أن الأمور قد اختلفت اليوم بالنسبة للإسلاميين، سواء من تولى الحكم منهم، العامل في العلن، أو الآخر المقاوم، العامل في الخفاء.
أما الصنف الأول، فيبدو أن عمله المعارض كان أسهل له من الحكم، واستطاع في تلك الفترة إطلاق الشعارات الرنانة وتوجيه التهم والانتقادات للنظام الحاكم آنذاك، وطرح نفسه ومشروعه على أنه البديل الذي لا غنى عنه وما إلى ذلك؛ وكان يلقى تصديقاً من طيف واسع من الشعب .. كيف لا وهو يعيش نفس معاناة الشارع وآلامه وآهاته وأحلامه! كيف لا وهو ينطلق من منطلقات شرعية ومُثل عالية! كيف لا وهو يسعى لتمكين الإسلام وأهله! ولكن حسابات البيدر كانت غير حسابات الحقل!
فما إن قدر الله للإسلاميين (سُنة وشيعة) الوصول إلى سدة الحكم، إذا بالأمور تتغير بشكل لافت، فشعارات الأمس أصبحت مثالية لا تلائم واقعنا، ويُتهم من يطالب بها بالعاطفية وعدم الواقعية، ومساوئ السابقين أمست اليوم ضرورات يحتمها الوضع على اللاحقين، فلا بُد من الأبناء والأقارب في المناصب الحساسة لضمان الولاءات، ولا بُد من جيوش الحمايات للحفاظ على القيادات، ولا بُد من مئات آلاف في الأجهزة الأمنية لصيانة المكاسب، ولا بُد من مئات المقابر الجماعية لردع الغاوين، ولا بُد ولا بُد ... والقائمة تطول؛ كل الانتقادات التي كانت تكال للغابرين تلبس بها اللاحقون مع زيادة يحتمها الظرف!!
ويا ليت الأمر انتهى إلى ذلك، بل تعداه إلى لوم الجماهير على سوء الظن وعدم التأول الحسن لأصحاب الهيئات، وأن القواعد لا تذب عن قادتها، بل شغلوا أنفسهم بالقيل والقال، بدل أن تضحي من أجل الأهداف السامية التي رسمت من قبل القادة!!! بل ولا بُد للجميع أن يستنفروا كل طاقاتهم لخدمة المشروع، الذي ليس من الضروري أن يعوه ... فيكفيهم وعي قادتهم!!! فما أشبه اليوم بالبارحة ... بل قل: ما أقبح اليوم والبارحة:
أما الصنف الثاني، فهو اليوم ليس في وضع أفضل من سابقه، فقد اختار الطريق الأصعب.. طريق التغيير بالقوة، ورفعوا لذلك شعار: (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة).. وهو الذي روج لهذا الطريق ـ في الداخل والخارج ـ على أنه الطريق الأمثل والأوحد .. لا طريق سواه، وكان لترويجه هذا الأثر البالغ على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ فعلى الصعيد الداخلي انضوى آلاف الشباب في التيار المقاوم على مختلف مسمياته، وذهبوا في هذا الطريق إلى غايته، وعلى الصعيد الخارجي، فمحيطنا العربي والإسلامي قد تفاعل في غالبه إيجاباً مع مشروع المقاومة، واحتضنه في كثير من جوانبه المعنوية والمادية، بل وحتى البشرية ...
ولكن هناك أسئلة تطرح، لا تجد لها إجابات:
ماذا إذا لم ينجح المقاومون بمشروعهم هذا؟ ماذا إذا تخلت عنهم قواعدهم وضعف الإيمان في طرحهم؟ ماذا إذا مل محيطنا الخارجي من الدعم المستمر وغير المجدي في تغيير المعادلة؟ أسئلة ربما تثير حفيظة كثيرين، خصوصاً وأن هنالك بعض البوادر لانعكاسات تلك الأجوبة على أرض الواقع.
إن العبء الذي حملته فصائل المقاومة على نفسها اليوم كبير جداً؛ ففي نجاحها نجاح لمشروع الأمة وتحقيق لأحلامها، إلا أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر مرة أخرى، فالواقع المقاوم يشهد نوعاً من التشتت والانقسام الذي لا يخفى على مراقب، ولا يكاد يمضي شهر حتى نسمع عن رفع راية جديدة أو انفكاك مجموعة، ومن جهة أخرى، فإن مؤشر العمل المقاوم في السنة الماضية، كان في انخفاض على الرغم من التصريحات المستمرة من المقاومين من أنهم انتقلوا من العمل الكمي إلى العمل النوعي، إلا أن الواقع لم يشهد لا بهذا ولا ذاك، مما يضع مصداقيتهم على المحك.
وبعد كل هذا، نرى أن المشروع الإسلامي (بشقيه السياسي والعسكري) يمر اليوم بتحدٍ تاريخي تترتب على نتائجه أمور كثيرة، لعل أخطرها: إمكانية تقبل الشارع له واحتضانه من قبل الجماهير، فإذا فوتت هذه الفرصة، فسيكون لزاماً على الإسلاميين الانتظار لدهر آخر من الزمن حتى تسنح لهم فرصة أخرى يستطيعون من خلالها إثبات وجودهم، ونحن إذ نطرح هذه المعاني، فإننا لا نشكك بالإسلام ووجوب تحكيمه، ولكننا نرصد إمكانية المسلمين على تحقيق هذا الإسلام وتحويله من الشعار إلى الشارع، ومن سماء الأماني إلى أرض الواقع.
التيارات الإسلامية في العراق: حسابات الحقل... وحسابات البيدر